أقلام الأرض

ما تشعر به أكثر قيمة مما تعرفه!

Published

on

دخلت إلى غوغل اليوم لأتسوق بعض المعلومات حول نبات الشيح أو “Artemisia” كما يسمونها في بلاد العجم، بقصد إغناء مقالة صحفية هَمَمتُ بكتابتها مؤخرًا عن هذا النبات.

بدأ غوغل ينهال عليَّ بالمعلومات ولم يوفر جهدًا بمساعدتي، ولكنني أُصبت فجأة بموجة ضحك هيستيرية وأنا أقول لنفسي من هذا غوغل ليعرف أكثر مني عن الشيح، فأنا أعرف هذا النبات قبل أن يُخلق غوغل وأب غوغل، فعندما كنت صغيرًا كان جدي يرسلني إلى رَجُلٍ في القرية يجمع الشيح من المناطق البعيدة بقصد التجارة، حاملًا معي “كيس الشيح”، هكذا كان يسميه جدي، وهو كيس من الخيش خصصه فقط لهذا الغرض، وكنت أظفر ببعض الليرات كأجر لي تكفي شراء قطعة حلوة مصنوعة بجودة منخفضة أو علبة عصير نسميها “كازوزة”.

أسلك طريقًا مختصرًا يمر بين البيوت والحارات القديمة قاصدًا العم أبو عقاب الذي يستقبلني بابتسامة لطيفة وكلمات طيبة ثم يقول ” عبي الكيس منيح عمي وسلم على جدك”، أعطيه ما أرسله جدي من نقود فيضعها في جيبه دون أن يحصيها، وأعود من ذات الطريق أنثر رائحة الشيح في الدروب بين البيوت القديمة.

بالطبع لم أكن المخصص الوحيد لهذه لمهمة، فقد كان أولاد عمومتي أيضًا يقومون بها ولكن كُلفت بها مرات عدة، وأذكر في إحداها أنني حصلت على مزيد من الليرات لأنني ذهبت وعدت بسرعة، وإلى الآن لا أعرف المغزى من إحضار الشيح بسرعة الذي سبب في زيادة أجرتي ولكن كانت سعادة لا تنسى.

أضع الكيس أمام باب البيت فيمسكه جدي ويرفعه حتى يصل إلى مستوى صدره وياخذ نفسًا عميقًا من داخله فترتخي عيناه ثم يعقب ذلك بجملة “الله على مرارة الأرض ورائحتها”.

لم تكن “بلاد الشيح والريح” تثير السخط والنفور عند أصحابها وتهيج أسباب الرحيل والهروب إلى بلادٍ أكثر هدوءًا و رومنسية، كانت مرارة الشيح لذيذة، كلما زادت مرارتها زاد الالتصاق بمكان وجودها، وكلما اشتد الريح عَبَقَ عطرها أكثر وأصبحت الأرض بوصلة دقيقة لوجهة أبنائها.

في هذه البلاد كانوا يقولون إن الشيح مفيد جدَّا وبالتأكيد لم تكن هذه المقولة مستندة إلى دراسات وتجارب علمية، ولكنها كانت صادقة كليّا، فأهل هذه البلاد كانوا يعرفون الأعشاب الضارة والمفيدة بالفطرة لعمق صداقتهم مع الأرض وارتباطهم الوثيق بتربتها.

وهذا ما أعرفه عن الشيح ولا أريد أكثر، فبعض الأشياء تبقى جميلة عندما تكتفي بما تعرفه عنها

آخر الأخبار

Exit mobile version